Skip to main content

ما حكم التطعيم بلقاحات الكورونا؟

AR (العربية) - EN (English)

بعد موافقة وتصديق فضيلة المفتي والمستشار الشرعي لمسجد ليدز الكبير على فتوى (اللجنة الدائمة للإفتاء بمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا) بخصوص الرأي الشرعي في التطعيم باللقاح المضاد لفايروس كورونا   وعليه نفيدكم بالفتوى

وهذا نصها

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

قبل الكلام عن الجزئيات المتعلقة بهذا الأمر، يحسن التذكير بجملة من الكليات والقواعد الحاكمة له، ومنها  

  • حفظ الأرواح من أهم مقاصد الشريعة، ومن أجله أذن الله للمضطر بأكل الميتة بل التلفظ بالكفر.
  • اليسير معفو عنه، وقد نهينا عن التكلف.
  • الله يريد بعباده اليسر، وهو يحب أن تؤتى رخصه، وقد تكون العزيمة أحيانًا في إتيانها، والمرض (أو خوفه) مظنة الترخص.
  • التداوي بالمحرمات، غير الخمر الصرفة، جائز عند الجمهور، إن تعين سبيلًا للشفاء، ولا بديل، وعليه فتوى جماهير المعاصرين لما في الأدوية من نفع غالب على الظن قد يقارب اليقين أحيانًا.
  • الغالب كالمحقق والمتوقع القريب كالواقع، ومعناه أن الغالب على الظن وقوعه كالواقع في بعض ما يسند إليه من أحكام ورخص.
  • مبنى الأمور في باب التداوي وغيره على غلبة الظنون، فلا سبيل إلى اليقين في أكثر الأحكام، ولا حرج على الأطباء والباحثين في بناء أحكامهم على الظن الغالب. قال المرداوي – رحمه الله: "حيث قبلنا قول الطبيب، فإنه يكفي فيه غلبة الظن على الصحيح من المذهب".
  • الواجب في الجملة عند تزاحم المصالح والمفاسد هو السعي لتحقيق خير الخيرين ودفع شر الشرين، فإذا وجدت بعض الآثار الجانبية المحدودة لدواء من الأدوية فإنها تغتفر، إذا كانت مصالحه غالبة، وانغمر أثره الجانبي المحدود فيما كاثره من المصالح الظاهرة الغالبة.

 

وبشأن قضية اللقاح ضد فيروس كورونا خصوصا، فهي قضية ذات شأن كبير تتجاوز تعلقها بالفرد منه إلى المجتمع ممثلاً بالجهات الطبية المختصة. فكما هو معلوم أن الوباء حتى تاريخ صدور هذا البيان قد أصاب ما يزيد على سبعين مليونا في العالم، وحصد حياة ما يزيد على المليون ونصف المليون، ولا سبيل لوقف هذه الجائحة العالمية إلا إذا تمت إصابة ما يقدر بنحو من 70% من الناس بحيث يتم الوصول إلى المناعة المجتمعية أو ما يسمى بمناعة القطيع. وهذه يمكن الوصول إليها بطريقين

  1.  السماح لانتشار العدوى بين الناس دون الحد منها
  2. إعطاء التطعيمات - اللقاحات

بيد أن الطريق الأول، وهو السماح لانتشار العدوى لا يتوافق مع الشريعة، لما يترتب عليه من تعريض الضعفاء لخطر الموت، مما فيه مناقضة صريحة لمقصود الشارع في حفظ النفس البشرية التي يستوي الجميع فيها، ولما فيه من ضرر يتجاوز الصحة إلى أمور العبادة والاقتصاد وسائر مناحي الحياة 

لا ضرر ولا ضرار

أما الطريق الثاني لتحقيق المناعة بإعطاء التطعيمات فهو ما يستقيم شرعاً وعقلاً. ومشروعية التداوي دفعا للمرض أو توقيا منه موضع إجماع أهل العلم، فسواء أكان المرض واقعا أو متوقعا فلا نزاع في مشروعية التداوي منه، وإنما وقع النزاع في وجوبه أو عدمه، وقد فصلت المجامع الفقهية القول في مواضع الوجوب، ومنها ما إذا كان المرض يؤدي إلى الإضرار بالغير، وهو ما ينطبق على وباء كورونا حيث يكون احتمال العدوى شديداً.

أما بالنسبة لإشكالات التصنيع، والتي تتمثل كما يقول المانعون في كون بعض التطعيمات تستزرع في السقط من الأجنة وخلايا الخنازير، فيناقش بما يلي:

لقاح فايزر ومودرنا، اللذان سيتوفران في القريب العاجل، لا يعتمدان على هذه التقنية، ولا يوجد فيهما ما يستدعي الشك بحلهما من هذه الجهة.

أما لقاح أسترازنكا، فهو الذي يستخدم تقنية الزرع في الخلايا، وهو غير متوفر للاستعمال حتى الآن. ومع ذلك، فبالنسبة لاستزراع الفيروسات في خلايا السقط، أو حتى استخراج البروتينات منها، فإنه قد تمهد شرعا أنه يحل الانتفاع بأعضاء الآدمي بضوابطه عند جماهير أهل العلم، كما نصت على ذلك قرارات المجامع الفقهية، مع التأكيد على حرمة تعمد الإسقاط لهذا الغرض، وضرورة أخذ الإذن من الأولياء لاستعمال خلايا السقط. ومن نافلة القول، أن الخلايا المستعملة إنما هي من أجنة قد سقطت من عقود، وما زالوا يكثرون خلاياها بالاستزراع.

أما بالنسبة لاستزراع بعض التطعيمات في خلايا الخنزير وتنجسها (إن قدرنا استعمال تلك التقنية في بعض التطعيمات)، فالتطعيم ليس فيه شيء من هذه الخلايا، بل تستعمل غالبًا لتتكاثر فيها الفيروسات المجهرية فهي "نجاسة" بالمجاورة، مع كونها مجهرية، ومثل ذلك من اليسير المعفو عنه، لا سيما إذا كنا أمام ضرورات التداوي وحاجاته العامة الماسة في وباء كارثي اجتاح العالم أجمع كوباء كورونا. فإن فرض استحثاث الخلايا الخنزيرية عن طريق الرَّنا المِرْسال لتصنيع البروتينات التي تحقن لتحفيز الجهاز المناعي، فلا يجوز مع وجود البدائل المكافئة تعاطي مثل هذه، ولا يجوز لعلماء وأطباء المسلمين مع وجود البدائل استعمال الخنازير لمثل هذه الأغراض، سواء لاستزراع الفيروسات أو لإنتاج بروتينات مشابهة لها.

أما ما ذكر من مخاطر التطعيم، فلجنة الفتوى بالمجمع ليست الجهة المعنية بذلك، بل الخبراء في الهيئات الصحية، فينصح بمتابعتهم، كما ينصح أصحاب الحالات الخاصة بمراجعة طبيبهم الخاص. ولكن ما ينشر عن مخاطر، فمنه في تقديرنا ما لا يعدو أن يكون مجرد شائعات لا تثبت على قدم، ومنه ما هو محتمل، ولكن هناك جملة من الأمور التي نرى التذكير بها:

 عملية الموافقة والإقرار على التطعيمات ليست قراراً متروكاً لفرد أو شركة، إنما يكون من  قبل هيئة الغذاء والدواء  (وغيرها من الهيئات العلمية في مختلف البلدان)، وهي تتبع معايير دقيقة وصارمة وفق قاعدة تغليب المصالح والمنافع على الأخطار والمفاسد، مما ينسجم مع القواعد الشرعية. 

وقد أفادنا بعض الأطباء المسلمين الموثوقين بأن لقاح فايزر الذي تم الموافقة عليه من قبل هيئة الغذاء والدواء قد درس فيما يزيد على أربعين ألفاً (تلقى ما يزيد على عشرين ألفا منهم اللقاح الفعلي)، ولم يصب أي منهم في مدة تربو على الشهرين بأعراض خطيرة، وهو ما يفوق الأعداد المعتمدة علميا للتجارب في الدراسات السابقة، والزمن العلمي المقرر لها، والذي تحصل فيه أكثر المضاعفات، وإن كان هذا العدد أو الزمن لا يكفيان للتيقن من عدم حصول مضاعفات نادرة، ولكن هذا يمكن توقعه مع أي تطعيم أو دواء آخر، فنبقى على ترقب ومتابعة للمستجدات، ولكن هذا لا يمنع الانتفاع بها في الوقت الراهن بعد أن تمت الموافقة عليه بأغلبية ساحقة لرجحان المصلحة المترتبة عليه على المفسدة. ويبدو أن الأمر يسير بنفس الاتجاه بالنسبة للقاح مودرنا الذي اشتملت دراسته ما يزيد على ثلاثين ألفاً تلقى أكثر من نصفهم اللقاح الفعلي.

ومع ما تقدم، ولطبيعة الخطر الذي يواجهه العالم، فإن ما يذكر من مخاطر محتملة لا ينهض دليلا على حجب المشروعية عن هذا الدواء لغلبة منافعه، التي أثبتتها الدراسات العلمية، وأقل ما يقال في الوضع الراهن بحق الأفراد إن تعاطيه مشروع (إباحة أو استحبابا)، وتوفيره واجب على الهيئات الصحية لتعلق مصالح عموم الناس بذلك.

والله تعالى أعلى وأعلم